قد تكون هذه القصة للوهلة الأولى شبيهة بسيناريو فيلم "رعب" أجنبي، وقد يشعر القارئ وهو يتابع تفاصيل الجريمة أنه يقرأ قصة خيالية ولكن دائماً الواقع يصدمنا ويبقى الخيال هو المنطقي أكثر، فمعظم القصص التي تمرّ في الأفلام هي من واقع مرير وحقيقي.
لا توجد دوافع ولا أسباب بسيطة، ولا حتى الشرع والقانون يرى أي منكق في إقدام شاب عشريني بقتل والده بهدوء ومن ثم حرقه والجلوس لينتظر والدته العائدة من مستشفى "الجامعة الأميركية" بعد جرعة كيماوي تلقتّها كالعادة بسبب إصابتها بمرض السرطان، عادت مع إبنتها ليخبرها إبنها بما قام به بكل هدوء.
الثامنة صباحاً، غادرت "أم علي" منزلها برفقة ابنتها إلى مستشفى الجامعة الأميركيّة، حيث تُعالج الأولى من مرض السرطان، تاركةً ابنها "علي" يُشاهد التلفاز في غرفة نومه فيما كان زوجها يغطّ في سباتٍ عميق.
الشاب ( حسن.م) الذي يبلغ 24 سنة من عمره وهو طالب في الجامعة اللبنانية ( فرع الحدث) كان يمرّ بمرحلة قلق وتوتر نتيجة التحضيرات للإمتحانات، وهو في الأصل يعاني من إضطراب في شخصيته، وفجاة ينعزل عن محيطه ورفاقه وتارة يعود إليهم بشكل طبيعي، وطوراً يعيش حالة لشخصية أخرى.
يوم وقوع الجريمة في إحدى مناطق الضاحية الجنوبية، إستيقظ باكراً كالعادة ليبدأ يومه العادي بشرب "النسكافيه" وممارسة الرياضة في المنزل، ثم إنصرف للدرس لساعات قبل أن يصحو والده المتعب، وكان الوضع طبيعي جداً وتناولا سوياً القهوة وتحدثا لفترة ثم دخل الوالد غرفته وبين الفترة والفترة يخرج ليتحدّث مع حسن.
جرت الامور في ذلك اليوم بشكل طبيعي، إلى أن تقمّص شخصية "الشيطان" في تلك الساعة، بهدوء تام دخل المطبخ أخرج سكيناً كبيراً وعاد إلى الصالون وجلس على المقعد ببرودة شديدة، وبعد دقائق طلب من والده أن يحضر إليه.
حضر أبو حسن ظناً منه أن إبنه يريد متابعة الحديث معه، ولدى خروجه من غرفة النوم كان حسن يختبأ خلف باب الصالون فإنقض عليه بمشهد مرعب وطعن والده عدة طعنات في قلبه وصدره، حاول التوسل إلى إبنه كي يتركه في سبيله، لم يفلح العم "ابو حسن" تابع الإبن جريمته بذبح والده من الوريد إلى الوريد ناهياً له حياته.
بعد إتمام مهمته الإجرامية قام بتغطية الجثّة بعدد من الشراشف والسجّاد، ثم دخل إلى الحمّام بهدوء وإستحم ثم بدّل ملابسه بعدها دخل المطبخ ليحضر قارورة غاز من المطبخ، وضعها قرب أبيه المضرج بدمائه، فتح فوهتها ثمّ أشعل النار في المكان لإخفاء معالم الجريمة وغادر المنزل على وجه السرعة.
زار المسجد ومن ثم والدته في المستشفى :
خرج حسن من المنزل بشكل طبيعي دون أي إرباك ولا حتى دلائل تشير إلى أنه إقترف جرم كبير، ثم ذهب إلى زقاق البلاط لتأدية واجب الصلاة في أحد المساجد، وبعدها قصد مستشفى "الجامعة الأميركية" لزيارة والدته لكنهم اخبروه بانها خرجت بعد الإنتهاء من تناول "الكيماوي"، فإتصل بها لتخبره أنها عند عمها فجاء إليها ليتم القبض عليه بعد أقل من ساعة من وصوله.
قصد المتهم أحد مساجد العاصمة بيروت للصلاة، إنتقل بعدها إلى المستشفى لرؤية والدته، فأُعلم أنّها تلقّت العلاج وغادرت إلى منزل عمّها، فلحق بها حيث تمّ إلقاء القبض عليه.
اظهرت التحقيقات أنّ حسن كان على خلافٍ مستمر مع والده، وأنّه كان يُعاني من حالات عصبيّة، وقد تم عرضه على الطبيب رمزي حدّاد الذي أكّد أنّ المتهم يُعاني منذ العام 2006 من أفكار هذيانيّة واضطهادية وعدم ترابط في الأفكار وكلّ العوارض تدلّ على أنّ لديه فصاماً في الشخصيّة "شيزوفرينيا" ويمرّ في تقلّبات مستمرّة ويتطلب متابعة طويلة وهذا الأمر لم يتحقّق بسبب عدم مراجعته من قبل المتهم ووالده.
الجريمة وقعت منذ فترة، ولكن التحقيقات فيها أخذت وقتاً طويلاً للتدقيق ما إذا كان حسن فعلاً شاب مريض أو انه يمثل هذا الدور، وبعد نتائج الطبيب النفسي أصدر رئيس محكمة الجنايات في جبل لبنان القاضي هنري الخوري، حماً بعقوبة الإعدام وأنزلها تخفيفاً إلى المؤبد ومن ثمّ أعفته من العقوبة لانتفاء الأهليّة، وقرّرت وضعه في مأوى احترازي تحت إشراف المحكمة".