في بعض الأيام تقوم آلانا بالتقاط أكثر من 200 صورة سيلفي، ثم تحذفها جميعها. تعتقد أنها قبيحة، على الرغممن ابتعاد هذا عن الحقيقة كثيراً. السبب وراء ذلك هو أنها تعاني مما يعرف باسم اضطراب التشوه الجسمي BBD.
ويعاني واحد من كل خمسين شخصاً من هذا الاضطراب، الذي يسبب هوساً ببعض عيوب المظهر، حتى غير الملحوظمنها، رغم عدم إدراك الآخرين أو إدراك الأطباء لوجوده.
آلانا شابة جميلة، لكنها ترى خلاف ما يراه الآخرون عندما تنظر إلى المرآة.
تقول آلانا ذات العشرين عاماً، لشبكة بي بي سي "أعتقد أنه من القسوة أن يرى الآخرون وجهي هذا".
وتضيف: "أرى الكثير والكثير من العلامات على وجهي، رغم أن أمي تقول إنها لا ترى شيئاً".
وتكمل: "أرى جلدي تغطِّيه البقع والحفر، وأرى أنفي معوجّاً وكبيراً وبارزاً للغاية، كما أن عينيَّ صغيرتان جداً".
عندما تزداد حالتها سوءاً، فإنها تنظر إلى نفسها في المرآة مرات ومرات، محاولةً إخفاء العيوب التي تعتقد أنهاتراها.
يستغرق الأمر أربع ساعات لكي تنتهي من وضع مستحضرات التجميل، ورغم ذلك لا يفارقها الشعور بالقلق عندالخروج من المنزل.
تضيف آلانا: "اعتدتُ على وضع أربع أو خمس طبقات من المكياج الأساسي، الذي يخفي عيوب البشرة، يجب عليَّكذلك أن أضع مكياج العيون بكل دقة، وأقوم بتعديل المكياج مراراً وتكراراً بلا جدوى".
وأثناء محاولتها إزالة البقع التي تراها تتسبّب آلانا لنفسها في بعض جروح البشرة.
كانت آلانا تظهر في صور العائلة كطفلة سعيدة ذات شعر مموج، إلا أن الأمر اختلف تماماً عندما أتمّت أربعة عشرعاماً لأسباب لا تعلمها.
"عندما كنت طفلة كنت أحب صوري"
تقول آلانا قبل أن تضيف: "ربما لم ألحظ ذلك عندما كنت صغيرة، ولكن عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء، فإنني أتذكرأن بدايات الأمر كانت عندما كنت في المدرسة، كنت منتبهة جداً لما يحدث من حولي، وأتلفت لأرى ما إذا كانأحدهم ينظر إلي، أو أن هناك من يضحك، أو يتكلم عني. كانت النوافذ كبيرة وكنت أنظر إليها دائماً، كذلك عندماكنت أذهب إلى دورة المياه، لا بد لي أن أنظر إلى المرآة".
وزادت قائلة: "عندما كنت في الخامسة عشرة، توقفتُ عن الذهاب إلى المدرسة".
كانت والدتها تقلّها يومياً إلى المدرسة، ولكن آلانا التي تحب الدراسة كانت ترفض النزول من السيارة.
استمرت والدتها في المحاولة لعدة أيام، ولكن رفض آلانا استمر كذلك، وزاد إصرارُها على ألا تدخل المدرسة.
ترتّب على ذلك دخول الفتاة في حالة من العزلة، التي أدت بدورها إلى تغيُّرات واضحة في شخصيتها.
تقول والدتها: "لمدة عامين أو ثلاثة أعوام، لم نكن ندري ما الذي يحدث".
وأضافت: "بعد أن كانت ابنتي طالبة ذكية وواثقة من نفسها، انهارت بكل بساطة. لم أعد أغادر المنزل، كانتمستلقية طوال الوقت في فراشها، وكان عليَّ الاعتناء بها".
وتابعت: "كان هذا قاسياً، لأن كل أم سوف ترى ابنتها جميلة، ولكن بالنسبة لآلانا فقد كانت حقاً كذلك، وأعتقد أنأحداً لن يرى خلاف ذلك. من المؤلم أنني لا أستطيع أن أفعل شيئاً لمساعدة ابنتي".
"ولكني تعلمت أن أتعامل مع الأمر بشكل مختلف، لم أعد أحاول أن أثبت لها أنها ليست قبيحة، ما علينا فعله أناوهي أن نقوم بتغيير الموضوع، والتركيز على أمورٍ أخرى"، تقول الأم.
كانت الفتاة تنزعج كثيراً عندما تقوم والدتها بوضعِ صور لها في المنزل، لم يعد لدى الأم صور لابنتها يمكن أنيراها من يقوم بزيارتهِم.
تشخيص متأخر
مر وقتٌ طويل حتى تم تشخيص حالة الفتاة باضطراب تشوه الجسم، وذلك بعد عدة تشخيصات خاطئة من الأطباءالذين قالوا إن الأمر لا يتعدى تلك المشكلات الخاصة بمرحلة المراهقة.
أخيراً، تم تشخيص حالة الفتاة بصورة صحيحة في مستشفى ماودسلي في لندن، التي أقامت فيها لمدة خمسةأشهر لتلقي العلاج، والآن تستمر في جلسات منتظمة للعلاج السلوكي الإدراكي.
لا أحد مثالي
قامت آلانا بجلسات تصوير فوتوغرافي لصالح شبكة "بي بي سي": بعنوان "لا أحد مثالي" للعمل على نشر الوعيبهذا الاضطراب، ومساعدة الآخرين في التعرف على أعراضه.
بعد مرورها بهذه التجربة، ترى آلانا أن تشخيص اضطراب التشوه الجسمي ليس سهلاً على الإطلاق.
بالإضافة إلى قلة الوعي بالأعراض، فهؤلاء المصابون بهذه الحالة يشعرون بالخجل من مظهرهم ولا يميلون إلىالتحدث عن الأمر بشكل منفتح.
تقول آلانا: "كان قلقي الرئيسي يرجع لشكل أنفي، واستغرق الأمر ثلاث سنوات من العلاج حتى استطعت أن أفصحعن هذا لأسرتي أو للمعالج النفسي".
لم تكن جلسات التصوير سهلة بالنسبة لآلانا التي كانت ترفض أن يتم التقاط صور لها على مدار أعوام، أحياناً كانتتقوم بالتقاط ما يزيد على 200 صورة سيلفي ومن ثم تحذفها جميعها.
من جانبه، يرى روب ويلسون، معالج السلوك المعرفي ومدير جمعية علاج اضطراب التشوه الجسمي، أن المصابينبهذا الاضطراب لا توجد لديهم مشكلة في التقاط صور سيلفي بأنفسهم، حيث يتحكمون بالأمر ويستطيعونتعديل الصور، المشكلة تكمن حينما يقوم الآخرون بتصويرهم، لأنهم يشعرون أن الأمر أصبح خارجاً عن سيطرتهم.
وأضاف ويلسون: "هذا الاضطراب يبدأ غالباً في مرحلة المراهقة، وكثيراً ما يكون بسبب التعرض للتحرش أوالمُضايقات".
وأكمل: "أحيانا يكون السبب متعلقاً بما يجعل الشخص يشعر بالاختلاف عن الآخرين، مثل ظهور حب الشباب علىسبيل المثال".
وتابع: "بالنسبة للمراهقين، من المعتاد أن يكون لديهم اهتمام بمظهرهم، أما ما يميز المصابين بهذا الاضطرابفهو أن قلقهم بشأن مظهرهم قد يستمر لمدة ساعة على الأقل كل يوم. يسبب هذا القلق معاناة كبيرة، معمستويات عالية من القلق والخجل والاكتئاب بما يكفي لعرقلة الحياة الطبيعية لهؤلاء الأشخاص".
وساعدت مواقع التواصل الاجتماعي على زيادة حالة آلانا سوءاً، لأنها كانت تجد نفسها في مقارنة مستمرة مع منهم في مثل عمرها، ويرى ويلسون أنه على الرغم من هاجس الصور وانتشار ثقافة التقاط صور "السيلفي" بدلاً منالنظر في المرآة، فإنه لا يمكننا إلقاء اللوم على شبكات التواصل الاجتماعي.
إحدى الصور من جلسات التصوير
هناك أيضاً عوامل أخرى وراثية، واجتماعية، وأخرى متعلقة بتجارب الشخص في مراحل عمره المبكرة، هذه العواملمجتمعة قد تسبب هذا الاضطراب.
يرى ويلسون أن طبيعة هذا الاضطراب تكمن في اعتقاد الشخص بأن لديه مشكلة جسمانية، وليست مشكلةنفسية، لذلك ينفقون أموالاً كثيرة لشراء مستحضرات التجميل وإجراء عمليات تجميلية.
وحذر كذلك من أن تأخر العلاج أو عدم الحصول على العلاج المناسب قد تكون له عواقب وخيمة.
ويُعد هذا المرض أحد أخطر الاضطرابات النفسية، مع خطر ارتفاع معدلات الانتحار والمشاكل في الحياة العمليةوالمعاناة الشديدة.
تسير العملية العلاجية لآلانا بشكل إيجابي. وهي تدرس الآن علم النفس في الجامعة، وبعد ذلك تنوي متابعةشهادة الدكتوراه وإجراء الأبحاث حول هذا الاضطراب.
في اليوم الأول لجلسات التصوير، بذلت آلانا جهداً كبيراً لتستطيع أن تترك شخصاً غيرها يقوم بتصفيف شعرهاووضع المكياج لها.
تقول "في نهاية جلسات التصوير شعرت بسعادة غامرة لقدرتي على تحقيق ما كنت أظنه مستحيلاً".الآن سمحت آلانا لوالدتها أخيراً بوضع إحدى تلك الصور في غرفة المعيشة.